من قائد للمعارضة إلى رئيس للدولة ( رحلة جلال الطالباني السياسية في العراق) *
الرئيس جلال طالباني شخصية سياسية معروفة على المستوى العراقي والعربي والعالمي، فابن السليمانية الذي ناضل في سبيل حرية شعبه العراقي لا ينسى فضل مدينته السليمانية، وهو يفخر بأنه ابن هذه الجبال الذي عرفته مناضلا صلب في سبيل قضايا الحرية والعدالة والديمقراطية.
ولد في عام 1933 وهو عام وفاة فيصل الأول وتسنّمَّ خلفه غازي عرش العراق. إذ تربعَّ على عرش العراق ثلاثة ملوك وسبعة رؤساء مع الطالباني إلاّ أن هناك صفات يتميز بها آخر رئيس للعراق مع أقرانه.
ولد جلال طالباني في قرية كلكان القريبة من بحيرة دوكان بكردستان العراق، تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط في كويسنجق، وتلقى التعليم الثانوي في مدينتي أربيل وكركوك.
دخل النضال الوطني الكردستاني والعراقي منذ نعومة أظفاره، وناضل نضالا جادا مريرا من أجل نيل الحقوق القومية العادلة للكرد، وتحقيق الديمقراطية للشعب العراقي بكل قومياته وتوجهاته وأطيافه حتى اعتبره البعض مفكر الديمقراطية والتعددية في كردستان والعراق.
وشكلَّ مع مجموعة من الطلاب عام 1953 اتحاد طلبة كردستان بشكل سرّي، وكان عمره آنذاك 20 عاما، وبذلك يعود الفضل إليه وإلى رفاقه في إيجاد هذا التنظيم بين الطلبة للمرة الأولى، ونظرا لنشاطه السياسي وهو في ذلك العمر أصبح عضوا في الحزب الديمقراطي الكردستاني، أنتخب عام 1951 عضوا في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني وله من العمر 18 سنة، ولّم يحصل أحد من الكرد في تاريخ ذلك الحزب على تلك المسؤولية في مثل ذلك السنِّ المبكر لحد الآن، مما يدل على مدى نبوغه السياسي، ووعيه الاجتماعي في مقتبل العمر.
وعند حصوله على الشهادة الثانوية، رغب الدخول في كلية الطب إلاّ أن السلطات الأمنية العراقية منعته من تحقيق تلك الرغبة بسبب نشاطه السياسي، تمكنّ من دخول كلية الحقوق في بغداد عام 1953، إلاّ أنه اضطر إلى الاختفاء عام 1956، ولم يتمكن من إتمام الدراسة فيها إثر ثورة 14 تموز 1958، استأنف الدراسة في كلية الحقوق مرة أخرى، كما عمل في تلك الفترة صحفيا ومحررا في صحيفتي خه با ت(النضال) وكردستان لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني، تخرج من كلية الحقوق عام 1959 واستدعى إلى الخدمة العسكرية في الجيش العراقي، وتخرج كضابط احتياط وخدم في وحدات المدفعية والدروع إلى أن أصبح قائدا لكتيبة دبابات.
بعد ثورة 14 تموز 1958 كان ضمن وفد اتحاد طلبة كردستان إلى الاتحاد السوفيتي والتقى هناك بالمُلا مصطفى البارزاني، عندما أعلنت الثورة الكردية في أيلول 1961 كان الطالباني عضوا في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، وأستلم كقائد مسؤولية قيادة جبهات كركوك والسليمانية، وقادة المقاومة في مناطق (ماوت وجه مي ريزان وقرداغ)
وهو بذلك ساهم مساهمة جادة مع البيشمركة في أخطر ميادين النضال مؤكد ا أنه واحد منهم، ومعهم يدا بيد، ومنذ ذلك التاريخ دخل قلوب الجماهير وحاز على محبتهم ورضاهم.
في فبرابر/ شباط 1963 أصبح الطالباني ممثلا عن البارزاني، وترأس وفدا كرديا إلى بغداد والتقى بقادة الانقلاب البعثي، وسافر إلى القاهرة للحصول على مساندة عربية، حيث التقى بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كما سافر الى الجزائر والتقى بالرئيس أحمد بن بلاّ.
بعد مؤتمر كويسنجق للحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1963 ترأس مام جلال وفد الحزب لإجراء المفاوضات مع نظام بغداد لنيل الحكم الذاتي، وعندما حاولت القوات العراقية الهجوم على إقليم كردستان، سافر الطالباني بكل جرأة في تلك الظروف الصعبة والخطيرة إلى بغداد مرة أخرى، في عام 1970 عقد الحزب الثوري الكردستاني بزعامة الأستاذ جلال الطالباني اجتماعا في مدينة كلار، بعد اتفاقية 11 آذار عام 1970 ومنح الشعب الكردي الحكم الذاتي، والاعتراف بوجود قوميتين في العراق، وأصبح طالباني ممثل الحركة التحررية الكردية أولا في بيروت لفترة معينة، ثم في القاهرة إلى نكسة 6 آذار 1975 وانهيار الثورة الكردية التي قادها الملُاّ مصطفى البارزاني.
وشارك في عام 1967 في ندوة الاشتراكية العربية في الجزائر وقدم العديد من المحاضرات والندوات الخاصة بالكرد والاشتراكية والوحدة العربية التي نالت استحسان الحضور.
في بداية عام 1975 زار مصر وأجرى سلسلة من المباحثات مع المسؤولين وأقنعهم بان تقوم الجمهورية العربية المتحدة بدور الوساطة بين الثورة الكردية والحكومة العراقية أثناء انعقاد مؤتمر القمة، غير أن اتفاقية الجزائر قضت على الثورة بعد أن قطعت كافة السبل لمساعدة الثورة، ولذلك قام مام جلال بجولة مكوكية على أمل التأثير على الدول الصديقة للعراق كالاتحاد السوفيتي السابق كي تتدخل لصالح إيقاف حملات التعريب التي كانت جارية آنذاك على قدم وساق في مناطق مختلفة في كردستان، وفي الوقت نفسه بدأ يتصل بالأحزاب والمنظمات الكردية وكذلك الشخصيات المستقلة في كردستان وخارج كردستان، وكانت ثمرة اتصالاته تشكيل الاتحاد الوطني الكردستاني من عصبة كادحي كردستان والحركة الاشتراكية الكردستانية والخط العام، وبعد فترة قصيرة تمكن من إرسال طلائع المفارز المسلحة إلى جبهات متفرقة من مناطق كردستان متزامنا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وجهات أخرى لتفجير الثورة الكردية من جديد وأفرغ بذلك أهداف اتفاقية الجزائر من محتواها.
بعد مكوثه في معاقل البيشمركة لمدة أربع سنوات أجرى مام جلال جولة في دول العالّم لتوفير الدعم والإسناد للثورة، وأثناء جولته تمكن من تشكيل أوسع جبهة عراقية معارضة في حينها وهي الجبهة الوطنية القومية، وفي الجولة نفسها تمكن من جلب المزيد من المساعدات العسكرية من ثوار فلسطين وليبيا ولكن الجمهورية الإسلامية استحوذت على تلك المساعدات وهي في طرق وصولها إلى كردستان.
وخطط مع عدد آخر من قادة الكرد للانتفاضة الجماهيرية العارمة التي كنست المؤسسات البعثية من أرض كردستان، وقام بعشرات الجولات إلى خارج كردستان وفي جولاته كافة التقى بأهم الشخصيات التي لها تأثير على مراكز صنع القرار في بلدانهم.
اكتسب ثقة الشخصيات المسؤولة في الكثير من الدول. التقى برؤساء الكثير من الدول الإقليمية ودول العالّم واستقبل من قبلهم استقبالا رسميا يحظى بمثل هذا النوع من الاستقبال من رؤساء الأحزاب السياسية الأخرى.
أمَّا عن علاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية فيقول الطالباني: " كان موقفهم متوازنا من الحكومة العراقية والأكراد، وهنا يتحدث طالباني عن حقبة السبعينات والثمانينات، وكانت لجلال طالباني أيضا علاقات قوية مع الفرنسيين وخصوصا الحزب الشيوعي الفرنسي، وكذلك مع الرئيس الراحل فرنسوا ميتران. وعن علاقته وحزبه بالإسرائيليين، ينفي طالباني إجراءه أي لقاء مع الإسرائيليين، ردا على بعض التقارير الصحافية التي نشرت أنباء عن لقائه بشمعون بيريز، وحلوله ضيفا على منتدى «صبان» اليهودي. وعن موقفه من لقاءات المسؤولين الإسرائيليين بالأكراد عموما يقول: " أعتقد أن التعاون بين إسرائيل والحركة الكردية خطأ كبير".
وعن سقوط النظام البعثي عام 2003، يقول جلال طالباني: «في نيسان عام 2002، دُعينا أنا ومسعود البارزاني إلى أميركا والتقينا هناك بوفد أميركي عالي المستوى، ضم ممثلين عن الإدارة الأميركية...وأبدينا المشاركة في انتفاضة العراقيين... وهيأنا لهم الاتصال ببعض القادة من الجيش العراقي، وأبلغنا عن استعداد أميركا للتعاون على شرط أن يؤسس في العراق نظام ديمقراطي اتحادي... ثم ساعدناهم في تحرير كركوك وخانقين ومناطق أخرى".
وبعد سقوط صدام عام 2003 أُنتُخب جلال طالباني عضوا في مجلس الحكم. وفي عام 2004، ترأس مجلس الحكم بنفسه. وبعد اعتماد قانون إدارة الدولة وإعلان العراق دولة فيدرالية كما كان طالباني يطمح دائما، تم انتخابه في أبريل/ نيسان عام 2005 من قبل الجمعية الوطنية العراقية كأول رئيس كردي لجمهورية العراق.
*الكتور كريم زيدان خلف/ كلية القانون والعلوم السياسية – جامعة كركوك