الدور الدولي للرئيس جلال الطالباني
اعداد الباحثان
د. بختيار عبيد شريف
قسم تقنية إدارة الأعمال، الكلية التقنية الإدارية، جامعة السليمانية التقنية،
رانيار قادر أحمد
قسم القانون، الكلية الإنسانية، جامعة رابرين، السليمانية
خلاصة الدراسة:
تستهدف الدراسة رصد وتوصيف الدور الدولي للرئيس جلال الطالباني منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى وفاته في عام 2017. واستخدمت الدراسة منهج إيجاد جميع المصادر والمقالات الخاصة خلال 70 عاماً من النضال السياسي، وتمت الدراسة بالتطبيق على عدة مصادر. حيث تضمنت الدراسة ثلاث مراحل للدور الدولي للرئيس جلال طالباني منذ نشأته السياسية داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني ومروراً بتأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني ويختتم الدراسة بدوره الدولي عنما كان رئيساً لجمهورية العراق ، واتضح ذلك من خلال مشاهدة وملاحظة وتحليل الخطابات وما تم نشره في وسائل الإعلام عن دور الدولي للرئيس جلال الطالباني، إلى جانب ذلك مشاركته في المؤتمرات الدولية وجلب المناسبات الدولية الى العراق، وفي هذه الدراسة سوف أركز على خطاب الرئيس طالباني في الجمعية العمومية للأمم المتحدة الدورة 61 لسنة 2006.
المقدمة:
تناولت الدراسة الدور الدولي للرئيس جلال الطالباني ومكانته في العلاقات الدولية، وتعـرف السياسـة الدولية بأنها التحـرك الموجـه في محيطهـا الخـارجي- الـدولي الإقليمـي- لتحقيـق مجموعة من القيم والأهداف والمصالح العليا للبلاد. وتسـتند السياسـة الدولية في تحركهـا الموجـه علـى إسـتراتيجية تـنهض بمهمـة اسـتيعاب وتطويـع القـدرات الحقيقية المادية والمعنوية لتحقيق وانجاز تلك القيم والأهـداف والمصـالح العليـا بكلفـة وزمـن وخسـائر أقـل وبنتائج مضمونة. واشتملت الدراسة خطاب الرئيس جلال طالباني في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورته الحادية والستون وتركيزه على مبدأ المساواة والتعايش السلمي بين جميع أطياف الشعب العراقي. حيث سلَّطت هذه الدراسة الضوء على العوامل المؤثرة في تشكيل السمات الشخصية للرئيس "جلال الطالباني" وأثرها في دوره الخارجي، واستعرض مواقف "مام جلال" على الصعيدين الإقليمي والدولي وأثرها في هيبة ومكانة العراق. وتوصلت الدراسة إلى مجموعة نتائج أبرزها: • إنَّ شخصية الرئيس جلال الطالباني اتسمت بقدر كبير من سمات الشخصية الكاريزمية القيادية، حيث يعد نموذجاً للزعامة والنضال، اتسمت مواقف مام جلال بالبراغماتية تماشياً مع متغيرات البيئة الداخلية والخارجية العراقية. • إنَّ ظاهرة الزعامة ضرورة طبيعية وحتمية لممارسة الضبط الاجتماعي والسياسي لضمان تماسك المجتمع، والمحافظة على استقراره وأمنه في مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية لذا وصفه العراقيين (بصمام أمان العراق). كما وأوصت الدراسة إلى ضرورة: إثراء المكتبة العراقية والعربية بدراسات علمية محكَّمة حول موضوع دور الرئيس جلال الطالباني في العلاقات الدولية، وضرورة عودة العراق إلى مبدأ" تصفير المشكلات" لما له من تأثير على علاقاته الخارجية التي تحقق لها التعاون مع الدول الأخرى.
المبحث الأول
الرئيس جلال الطالباني في المناسبات الدولية ودوره في العلاقات الخارجية قبل تأسيس العراق الجديد:
في العام 1955، وضمن وفد طلبة وشباب العراق شارك الطالباني في مؤتمر الشباب العالمي في (وارسو-بولندا) وقام هناك بتنظيم حملة للتعريف بالقضية الكوردية، حيث نشاطه المتميز في بولندا اثار اعجاب الصينيين ، لذا قدموا دعوة رسمية له و لعضو عربي آخر في الوفد العراقي، وقد توجه الاثنان مع جمع غفير من الشباب المدعوين من دول العالم ، الى الصين عن طريق القطار مروراً بأراضي الاتحاد السوفيتي. وفي الطريق فكر في إيجاد وسيلة للقاء رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الملا مصطفى بارزاني والذي كان حينها لاجئاً سياسياً في روسيا، وفي طريق العودة من بكين حتى موسكو كتب رسالة مطولة، وهناك سلمها الى مذيع عربي عراقي كان يعمل في القسم العربي بإذاعة موسكو لإيصالها الى الملا مصطفى بارزاني، وبعد وصول الرسالة، وصلت اليه بعض التعليمات من بارزاني عن طريق حامل الرسالة، إضافة الى عنوان شخص إيراني مقيم في المانيا الغربية لكي يكتب له الرسائل ويصبح جسراً بين بارزاني وقيادة الحزب الديمقراطي داخل البلد. وبعد عودته عملت الأجهزة الأمنية على افتعال بعض المشاكل للطالباني، لكنها لم تستطع اثبات أي شيء ضده.
في العام 1957، تمت دعوته للمشاركة في مهرجان الطلبة والشباب العالمي في موسكو ضمن الوفد العراقي، بصفته سكرتيراً لاتحاد طلبة كوردستان، وهناك التقى لأول مرة بالملا مصطفى بارزاني وعقد معه عدة اجتماعات، وكانت تلك الاجتماعات هي الأولى بين بارزاني كرئيس للحزب الديمقراطي وقيادة الحزب في الداخل.
بعد انهيار حكومة عبد الكريم قاسم وتسلم البعثيين مقاليد الحكم في شباط العام 1963، بدأ مام جلال وصالح اليوسفي حوارات مع الحكومة الجديدة بصفتهما ممثلين عن الحزب الديمقراطي، بهدف التوصل الى اتفاق لحل المسألة الكوردية ، في ذلك الحين أعلنت حكومة البعث بأن جمال عبد الناصر كزعيم العروبة آنذاك ، ربما لن يوافق على هذه الخطوة، لذا و في نفس الشهر قام مام جلال بزيارة مصر و التقى هناك الرئيس جمال عبد الناصر ، وأوضح له مسألة طلب الحكم الذاتي ومن مصر توجه الى الجزائر والتقى هناك مع الوفد العراقي الرئيس بن بيلا، ومن ثم عاد الى مصر والتقى عبد الناصر مرة أخرى، و استطاع إقناعه بأن المسألة الكوردية و حقوق الكورد لن تعود بالضرر على الأمة العربية. في عام 1971، ووفقاً للاتفاق المبرم مع بارزاني بعد توحيد الجناحين المتنافسين في الحزب الديمقراطي، لم يتسلم طالباني ورفاقه أية مسؤولية، وفي العام 1972 غادر كوردستان واستقر في لبنان، في تلك الفترة عزز علاقاته مع الفلسطينيين وخاصة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش. وأصبح عضوًا في لجنة العلاقات الوطنية العربية للحزب الديمقراطي الكردستاني ومقره القاهرة
وفي القاهرة، كان جلال طالباني يتابع أخبار الحرب الدائرة في جبال كردستان ويراقب تطورات المفاوضات الإيرانية العراقية والتي بدأت تتسارع خطواتها، إذا كان قطع الدعم الإيراني عن الحركة الكردية من أولويات الحكومة العراقية وبدا أن التفاهم مع الشاه أكثر قربًا لبغداد. فتحرك طالباني للبحث عن مصادر دعم بديلة لمنع انهيار الحركة الكردية.
المبحث الثاني
الرئيس طالباني ومسيرته الدولية في الإتحاد الوطني الكردستاني:
في منتصف السبعينات كان طالباني يعيش في القاهرة بصفته عضواً في مكتب العلاقات العربية للحزب الديمقراطي الكوردستاني، وعمل آنذاك كل ما في وسعه لإقناع قيادة الحزب الديمقراطي بأنه ما زالت هناك فرصة للمقاومة والصمود، والدليل على ذلك أن ممثلاً للاتحاد السوفيتي أكد استعداده لدعم القضية الكوردية شريطة استمرار الثورة.
في عام 1975 طالباني التقى الرئيس الليبي معمّر القذافي فأخبره أن الاتفاق بين العراق وإيران بات وشيكًا، وعلى الأكراد الاستعداد للمرحلة الجديدة. وبالفعل وُقّع اتفاق الجزائر بين العراق وإيران في 6/3/1975، فانهارت التشكيلات العسكرية الكردية التي كانت تقاتل الدولة العراقية في كردستان العراق بدعمٍ مكشوف من الشاه، وازداد انهيارها بعد إعلان الملا مصطفى البارزاني في 19/3/1975 حلّ جميع تشكيلاته العسكرية، والطلب من أعضاء حزبه العودة إلى العراق أو التوجّه إلى إيران. حينذاك، رفض الطالباني هذا الأمر، وبادر مع مجموعة من رفاقه إلى تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني، وأُعلن البيان التأسيسي للاتحاد في مؤتمر صحافي عُقد في مقهى طليطلة بدمشق في 22/5/1975. ولقد نجح الطالباني في إقناع السوريين وأبدوا استعدادهم لدعم الثورة الكوردية والتقى بالليبيين وأبدوا بدورهم استعدادهم للمساعدة. والتقى بالروس وقدموا له دعوة إلى زيارة موسكو. وتلقى الاتحاد الدعم المالي والعسكري والسياسي من سورية وليبيا، وإنضم الاتحاد الوطني الى التجمع الوطني العراقي، الذي كان تحالفاً سياسياً معارضاً للنظام البعثي.
وفي نهاية السبعينات، وصل الإمام الخميني إلى طهران لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات بين الرئيس جلال طالباني وإيران بعد سقوط الشاه. إذ إن الثورة الإيرانية كانت بالأساس انتفاضة شعبية عارمة تفجرت بسبب الغليان الشعبي والإتحاد الوطني قدم المساعدة بخسب إمكانياته. وكان الرئيس طالباني السبب في تعرف الإمام الخميني بالليبيين وكانت النتيجة أن مدّت ليبيا حركة الإمام بملايين الدولارات. وفي الوقت ذاته، وكذلك كان السبب في تعرف رفاق الإمام الخميني بالجناح اليساري لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي قدّم بدوره دعمًا كبيرًا لهم.
وأجبر طالباني على مغادرة العراق عام 1988 بعد مجزرة الأنفال التي نفذتها قوات صدام حسين. ويقال إن فترة الصراع المسلح التي قضاها طالباني خلال الثمانينات في كردستان كانت السبب الرئيسي في هشاشة حالته الصحية. بعد انتفاضة 1991، و خلال انعقاد مؤتمر قوى المعارضة العراقية في صلاح الدين، أدى طالباني دوراً رئيسياً في إدارة اجندات المؤتمر وشارك في تشجيع المؤتمر للمصادقة على النظام الفيدرالي كصيغة لإدارة الحكم في العراق الجديد. في العام 1998، وبإشراف الولايات المتحدة الامريكية، وقع مع مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني على اتفاقية واشنطن، ومن ثم كثف جهوده لتوحيد المؤسسات الإدارية لحكومة إقليم كوردستان.
المبحث الثالث
الرئيس طالباني رئيساً لجمهورية العراق
تغيير النظام في 2003:
بعد سقوط النظام البعثي في العام 2003، انتخب طالباني عضواً في مجلس الحكم، وفي العام 2004 ترأس مجلس الحكم وبعد المصادقة على قانون إدارة الدولة في العراق والذي اعترف رسمياً بحكومة إقليم كوردستان وأعلن العراق دولة فيدرالية، طالباني يعد السياسي الحكيم المتوازن في العراق، الحريص على الوحدة في وقت الانقسامات الطائفية والسياسية. ويعرف بانفتاحه العرقي والطائفي والفكري على كافة الأحزاب والشركاء، ويدعو إلى الحوار والتواصل بين السنة والشيعة في العراق وبين العرب والأكراد لتخطّي الخلافات. دعواتٌ أعطته لقب "الشدّة والود"، وهي عبارة يرددها طالباني بشكل دائم عند الحديث عن كيفية التعامل مع القادة السياسيين في العراق.
تشكلت السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003 في مرحلة مصيرية صعبة عاشها العراق بعد مخاض الحروب التي عصفت به وإعادة تشكيل ملامح ورسم الدولة العراقية من جديد, فقد تكونت السياسة الخارجية العراقية من مزيج مركب من تضارب المصالح للقوى السياسية الداخلية والمدفوعة بتأثيرات خارجية تتنافس من أجل الحصول على موطئ قدم لها داخل العراق في مرحلة العراق الجديد بعد عام 2003 وهذه الحالة ولدت أداء سياسيًا عراقيًا خارجيًا غير متوازن ولا يستند على أسس المصالح الوطنية المشتركة بقدر ما يستند على حجم مصالح القوى السياسية الداخلية والتأثير الاقليمي.
وفي 7 نيسان 2005 انتخب مام جلال من قبل الجمعية الوطنية العراقية رئيساً لجمهورية العراق في المرحلة الانتقالية. وفي خطابه السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورته الحادية والستون عبّر طالباني عن تطلعات جميع القوميات والمكونات في العراق التعددي، باللغتين العربية والكوردية.
ومن خلال الخطاب الذي ألقاه الرئيس طالباني نستخلصه كالتالي:
أقر بأن العراق يمر في المرحلة الانتقالية والمتميزة بترابط مهام معقدة في عملية إعادة بناء الدولة في ظروف بالغة الصعوبة، لكنها مفتوحة على وعد بانجاز تجربة ديمقراطية فيدرالية، تعددية، يستعيد فيها الإنسان العراقي المقهور عبر الأجيال كرامته وتألقه وحرياته وحقه.
حرص على أن تكون تجربة العراق راسخة الجذور تنطلق من رصيد العراق الغني ومن أصالته، و إشعاعات حضارته العريقة بامتدادها عبر العصور وبتنوعها الذي يجسد مكونات الطيف العراقي الوطني.
دعم التطورات بإرادة القوى السياسية العراقية ويد العون الممدودة من لدن أصدقاء العراق الجديد أدت الى إستقطاب معظم العراقيين وتجلياتهم السياسية والاجتماعية والفكرية التي انخرطت في العملية السياسية التي نمت وتطورت، لتفرز حكومة وحدة وطنية، حكومة انقاذ وطني.
في إقليم كردستان العراق تم انتخاب مجلس نواب و تشكيل حكومة إقليم كردستان موحدة، الأمر الذي أدت الى إنعكاس حالة الانسجام والتناغم السياسي في خضم العملية السياسية المتطورة على صعيد العراق أجمع.
الإنجازات الذي تحقق على الصعيد السياسي مثلت الإرادة الوطنية المشتركة لتكريس عملية بناء عراق جديد آهل لمواجهة كافة التحديات بميادينها المختلفة, وفي مقدمتها إلحاق الهزيمة بالإرهاب والتكفير والتطرف وتحقيق الأمن والاستقرار.
كثرة الأعمال الإرهابية ونشاط التكفيريين والجماعات الإجرامية المنظمة في بلادنا، لا تتميز بقتل الأبرياء وإثارة الفوضى الأمنية فحسب بل إستهدفت أيضاً تدمير البنى التحتية، وإعاقة الجهود الدؤوبة لإعادة بناء البلاد، ووضعها على طريق الأمن والسلم والديمقراطية. حيث أشار بأن هناك دول إقليمية تصدر أزماتها خارج حدودها، وتسعى لتحويل العراق إلى ساحة لتصريف تلك الأزمات وخوض معاركها على أراضيه وبين أبنائه.
وفي مواجهة الإرهاب، تنبعث الإرادة الوطنية بالانفتاح على كل أبناء العراق لجذبهم إلى العمل الوطني والمشاركة في بنائه، ومن خلال مبادرة المصالحة الوطنية التي أطلقت في العراق على أمل تهيئة الشروط الموضوعية اللازمة للاستقرار السياسي و لخلق وضع أمني هادئ.
وأشار في خطابه بأن نهضة البلاد لايخص العراق وحده، بل دول الشرق الأوسط كلها، و هو ما يعكس اهتمام العراق رغم انشغاله في معالجة الوضع الداخلي بمعاناة أشقائه العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيين، ويدرك تبعات الدمار الذي تعرض له لبنان الشقيق وشعبه الأبي نتيجة الهجوم العسكري الإسرائيلي.
دعى الرئيس طالباني إلى تطبيق القرارات والشرعية الدولية لحل القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر النزاع المزمن والى تنفيذ القرار 1701 بصدد لبنان الشقيق الذي يستحق عطفاً و مساندة فعلية بالمال والتكنولوجيا من جميع الأمم المتمدنة بجانب أشقائه العرب.
كما طالب من الدول المقررة على الصعيد العالمي، الحيوية الستراتيجية للشرق الأوسط في سياسة هذه الدول واقتصادها وأهدافها الكونية، وهو ما يستلزم اعتمادها نهجاً حازماً في إقرار حلول تراعي حقوق ومصالح دول وشعوب المنطقة التي تتضمنها وثائق الأمم المتحدة وشريعة حقوق الإنسان.
كما أشار الى إن العامل الحاسم لإرساء أسس وطيدة لتفاهم إقليمي يفضي إلى حلول عادلة، وسلام دائم مبني على الشفافية، ومبدأ احترام حقوق جميع الأطراف، واستقرار منطقة الشرق الأوسط يتمثل في تضافر جهود وإرادات دول الجوار، وسعيها الجاد لإلحاق الهزيمة بالإرهاب، وتصفية بؤره وتجفيف مصادره.
إن اقتصار الحرب العالمية على الإرهاب بالوسائل العسكرية لوحدها لا تكفي لإلحاق الهزيمة به، إذ لابد من استكشاف واعتماد الوسائل والأساليب السياسية والاقتصادية وغيرها لتعزيز عوامل النصر في هذه الحرب.
أقر بأن رؤية العراق هو بضرورة خلق شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الأسلحة النووية أسوة بقارتي أفريقيا وأمريكا اللاتينية، على أن يراعى حق الدول في تطوير القدرات التقنية الخاصة بالاستخدامات العلمية والسلمية للطاقة النووية لتحقيق أهداف التنمية المستديمة.
أكد أن العراق الجديد قد ألزم نفسه بموجب دستوره الدائم،ومن منطلق المصالح الوطنية العليا، عدم إنتاج هذه الأسلحة، كما ان العراق سينضم إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية والمواثيق الدولية الأخرى الخاصة بهذه الأسلحة.
وقد رأى الى ضرورة أخذ ذلك بنظر الاعتبار ومراعاة مصالح العراق بحثّ و دعوة مجلس الأمن الدولي الموقر إلى حل لجنة (الانموفيك) وإنهاء مهامها، أو تحويلها إلى هيئة أو مؤسسة دولية ترتبط بمنظمة الأمم المتحدة وتمول من الميزانية العامة للمنظمة. وإن استمرار هذه اللجنة بالصيغة الراهنة آنذاك، وتمويلها من الأرصدة العراقية يبدد أموالاً عراقية، و شعبنا بأمس الحاجة اليها في هذه المرحلة من مراحل تطوير البلاد.
أن الإصلاح في مؤسساتنا الأممية لا بد أن ينطلق من تجسيد مصالح الجميع وتأمين إحساسها بالمساواة والعدالة عبر تحقيق توافق وتوازن شفاف، وفي ضوء هذه الأسس فان العراق يثمن الدور الفاعل للأمم المتحدة في معالجة المشاكل الدولية، ويقدر دور بعثة الأمم المتحدة والممثل الخاص للأمين العام في العراق السيد أشرف جهانطير قاضي، ويأمل بعودة الأمم المتحدة ووكالاتها وبرامجها المتخصصة للعمل في العراق لتفعيل دورها في برامج التنمية وإعادة الاعمار.
وعلى صعيد إعادة الاعمار والتزامات الدول المانحة تجاه العراق، فإننا في الوقت الذي نشكر فيه هذه الدول على مساعداتها التي ستساهم بشكل فعال في خلق جو من التفاؤل في التخلص من تركة الماضي والبدء بمشاريع الإصلاح والتنمية الشاملة، نتطلع إلى مزيد من الدعم والتصميم على تنفيذ هذه الالتزامات لإيماننا بأن المباشرة بمشاريع إعادة اعمار العراق وتنشيط الاقتصاد سيشكل عاملاً حاسماً في تدعيم الوضع الأمني وإعادة الاستقرار للعراق والمنطقة بل وللعالم أجمع.
وقال بأننا نرى من حقنا المطالبة بإلغاء التعويضات الكثيرة والباهظة وإلغاء الديون على العراق الديمقراطي الجديد الذي لا يمكن تحميله أوزار دكتاتورية أجرمت بحق الشعب العراقي وخانت الوطن.
إن العراق يؤمن بأن تحقيق التنمية المستديمة يتوازى مع احترام حقوق الإنسان وتوفير الأمن وتحقيق العدالة والتوزيع العادل للثروات وتنمية القطاعات الزراعية والاقتصادية والخدمية.
و لا بد لنا من احترام المرأة وحقوقها وتفعيل دورها في عملية التنمية والعمل السياسي، ولقد بات هذا الشعور مبدأً ثابتاً في توجهاتنا التي نص عليها الدستور العراقي إذ أكد على حق المرأة في المساهمة بنسبة لا تقل عن 25 % من مقاعد مجلس النواب كما تشارك المرأة العراقية في أربع حقائب وزارية في حكومة الوحدة الوطنية العراقية أنذاك.
و قد أشار الى نجاح العراق في وضع خارطة طريق لحل المسائل الأساسية العالقة مثل الدستور و الأقاليم و النفط و الميليشيات واجتثاث البعث و العلم و الشعار و النشيد الوطني الجديد.
إذ أكد بأن هذه الإرادة، نأمل من الأطراف العربية والإقليمية، ومن دول الجوار خصوصاً، التفاعل مع هذه الإرادة، والتوقف عن أي نشاط أو دعم أو احتفاء عبر أي وسيلة كانت مع قوى الإرهاب والتكفير وفلول العصابة الدكتاتورية الفاشية المنهارة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بغلق حدودها أمام المتسللين.
حرص العراق على أمن وسلامة جيرانها وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية وتجنب تحويل أراضينا إلى قواعد لنشاط مضاد لهم. لكننا نقولها بصراحة، إن صبر شعبنا آخذ بالنفاد، خصوصاً وهو يرى دم أبنائه الأبرياء يسفك ويستباح، وبنيته التحتية تدمر ومساجده وحسينياته تخرب، وإعادة بناء قواته المسلحة ومؤسساته الأمنية تعرقل للحيلولة دون استكمال سيادتنا. إن من الصعب على قيادتنا السياسية أن تلتزم السكوت إلى مالا نهاية.
إن وجهة بناء القوات المسلحة الوطنية العراقية والارتقاء بها إلى مستوى الطموحات تتواصل بهمة عالية لكي تبلغ قدراتنا المستوى والكفاءة و الجاهزية المطلوبة لإيجاد مستلزمات إنهاء تواجد القوات المتعددة الجنسيات تدريجياً من البلاد.
ومن خلال خطابه أعلاه نتوصل الى أن الرئيس طالباني أقر بإجتماع الجمعية العمومية العمل على إيجاد ما أسماه بعراق جديد "خال من الاضطهاد الطائفي والقومي والتسلط والطغيان". وإنه يسعى لإقامة دولة عراقية مستقلة وموحدة، على أسس من الديمقراطية والفيدرالية وحقوق الإنسان. وحدد الخطوط العريضة لسياساته والتي تشمل العمل مع المؤسسات الدستورية الأخرى على محاربة ما أسماه الإرهاب والفساد.
وفيما يختص بالوجود الأجنبي، أكد الرئيس طالباني أنه سيتم استكمال مقومات الاستقلال الوطني وتوفير مستلزمات الاستغناء عن قوات التحالف بعد بناء القوات المسلحة القادرة على مواجهة التهديدات. وحذر من التدخل الذي تمارسه أطراف عديدة في شؤون العراق الداخلية قائلا إن لصبر العراقيين حدودا. وأشار إلى أن العراق سيلعب دوره في مساعدة الشعب الفلسطيني حتى ينال حقه المشروع في دولة مستقلة على أرضه وفق قرارات الشرعية الدولية ومؤتمرات القمة العربية. وأضاف أن الجمعية الوطنية (البرلمان) ستختار علما جديدا معتبرا أن العلم الموجود حاليا ليس علم العراق بل علم البعثيين.
كما أكد في إعلاء شأن العدالة الاجتماعية والسعي الدؤوب لتحقيق الحرية، ونصرة المرأة والانتصار لحقوقها وتعزيز حرية القلم والرأي والكلمة من قيودها التي تكبلها سياسياً ومجتمعياً، ويشهد الجميع على ان نماذج مواقف الرئيس طالباني في حفظ التوازن هي فريدة من نوعها، فقد كان في الوقت نفسه صديقاَ مقرباً وثقة للشيعة واحزابهم السياسية ومدافعاً عنيداً عن السنة، في حين لم ينسى المكونات الأخرى التركمانية والكلد وآشورية والمسيحية وكان دوماً حامٍ لحقوقها.
ومن إنجات الرئيس طالباني ودوره الدولي تم إنتخابه في تموز 2008 نائباً لرئيس المنظمة الأشتراكية الدولية.
وبجهود الرئيس طالباني عقدت القمة العربية الثالثة والعشرون في بغداد، العراق ما بين 27 إلى 29 مارس 2012 بعد (22) عاماً والتي غابت الققم العربية عن العراق، وهي ثالث قمة تستضيفها العاصمة العراقية، بعد قمتي 1978 و1990. وحضرها نحو عشرة رؤساء وملوك الدول العربية، بالإضافة إلى كبار المسؤولين الحكوميين في مختلف الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية، وبان كي مون الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة. وتناقش القمة العربية تسعة بنود على رأس موضوع تطوير هيكلية الجامعة العربية ومن بينها الأزمة السورية.
ونستنتج بأن لطالباني بصمة في الحياة السياسية الكردستانية والعراقية بشكل عام.
الخاتمة:
واجه الدور الدولي للرئيس جلال طالباني مراحل متطورة وخاصة بعد أول زيارة خارجية مثلت فيها إتحاد طلبة كردستان في مؤتمر وارسو وأدت ذلك الى تغيــير جــذري في مجــال العلاقــات الدوليــة ونظرته الإستراتيجية، وهي متغيرة في عالم متغير فأن التفكـير بوضـع إسـتراتيجية للعمـل السياسـي الخـارجي مختلفـة عمـا جـرى العمـل بموجبـه قبـل عـام 1956 وباتجـاه تحديـد الأهـداف والمصـالح العليـا للحركة الكوردية وانتقـاء وعقلانيـة الوسـائل والأدوات اللازمـة مـن أجـل دعـم وتفعيـل السياسـة الخارجيـة للكورد، والعـراق بعـد التغيـير الجـذري الـذي طـرأ علـى موقعـه الجيوبـوليتيكي في النظـام الدولي ورؤية القوى العظمى وتحركها العسـكري وتغـير النظـام السياسـي الـداخلي نحـو حكـم ديمقراطـي ذي قاعـدة واسعة من المؤثرين على صنع القرار السياسي فأن وجود الرئيس طالباني على رأس هرم النظام السياسي الجديد نقلـة نوعيـة لقـوة سـلمية لإدارة العلاقـات الدولية أمثـل لطاقـات وإمكانيـات العـراق البشـرية ساهمت حتمـا في إسترجاع العراق لمكانته العربية والإقليمية والدولية. وعليه يتقرر بأن الدور الدولي للرئيس جلال طالباني له بصمة إيجابية على العلاقات الكوردية والعراقية في الساحة الدولية واختيار الوسائل والأدوات اللازمة من قبله لتحقيق الأهداف مع استيعاب كامل القدرات والغايات والإمكانيات لخدمة الوطن.