كان للعراق و المنطقة، مام جلال فقدناه
2023-10-02
اود ان اشد على ايادي رفاقي و زملائي في مؤسسة الرئيس جلال طالباني ،بإقامة مراسيم احياء ذكرى رحيل الرئيس مام جلال العظيم في بغداد و النجف الاشرف والسليمانية،تجسيداً للهوية العراقية و الكردستانية لهذا القائد الكبير .لأن سيادته كان قائدا معارضا عراقيا في عهد مقارعة الانظمة الدكتاتورية ،و بعد سقوط الدكتاتورية فضلاً عن دوره العظيم في بناء العراق الجديد و وضع الحجر الاساسي للتعايش و الاخوة بين ابناء شعبٍ واحد فإنه أصبح أول رئيس منتخب للعراق .
نعم كان مامجلال يعتز بكردستانيتهِ بروحية عراقية .لأن سيادته منذ دخوله في المعتكر السياسي و النضال كان ذخيرة سلاح أفكاره و مبادئه هي الديمقراطية للعراق أولا ً و تحقيق الطموحات العادلة لشعب كردستان .في ظل هذه الدمقراطية .و لا تمر علينا في اي من مؤلفاته ،خطاباته ، رسائله ،كتاباته الصحفية و تصريحاته دون ذكره لأهمية و ضرورة اقامة النظام الديمقراطي في العراق لتحقيق اهداف و أماني الشعب العراقي بعربه و كرده و تركمانه و كلدانه و آشورييه و سائر مكوناه الدينية و المذهبية المختلفة .لذلك كان يبشر دوماً الشعب العراقي في برقياته في الأعياد و المناسبات الوطنية بالاحتفال في بغداد العاصمة في المستقبل القريب .
و في المؤتمر العام الثاني للإتحاد الوطني الكردستاني (٢٠٠١) جسد الأمين العام للإتحاد الوطني الكردستاني مام جلال في التقرير السياسي الهوية العراقية للكرد في اقليم كردستان بإطلاق تعبيره المشهور "نحن العراقيين الكرد لا نتردد ان نكون البديل الديمقراطي في العراق " .لذلك علينا جميعاً ان لا نجحف بحق الهوية العراقية للرئيس مام جلال مع اعتزازه بهويته راسخة الجذور الكردستانية عندما نذكره في اية مناسبة . لكن مع الاسف الشديد حُرِمَ الرئيس مام جلال من هذا الحق المشروع خلال مراسيم النعش .كان هناك بعض الاوساط السياسية و الإعلامية ينتقدون المراسيم و الإعلام الرئاسي ،لماذا لا نضع علم كردستان خلف و بجانب مام جلال و كنا نرد عليهم بان فخامته رئيس جمهورية العراق و ليس اقليم كردستان ،في احد الايام كنت أُناقش احدهم حول هذا الموضوع و سمعنا فخامته فقال "عن ماذا تناقشون؟"،و عندما عَلِمَ سيادته ،قال "أنا كنت أول من رفع علم كردستان في الاربعينيات و سنوات البعد في المناسبات و أُقَدِسه ،لكن يجب ان يفهم هؤلاء بأني الآن رئيس جمهورية العراق ،وعندما اجتمع مع الكوادر الحزبية فيجب ان تضعوا علم العراق و كردستان و شعار الاتحاد الوطني معاً.
الرئيس مامجلال كان حرصه و همه الوحيد أن يقدم خدمةً لشعبه ،من اجل أن ينعم بحياة تليق بشعبٍ ناضل و قدم تضحيات كبيرة، من أجل توفير كافة الخدمات لهذا الشعب من خلال استغلال ثروات العراق الطائلة في التقدم والازدهار و ينعم الشعب في ظلها بحياة نعيمة و رغيدة مثل سائر الشعوب في البلدان المتقدمة .
الرئيس مام جلال أعاد مكانة و موقع العراق الريادية في المنطقة و العالم و الدول العربية و الاسلامية ، لذلك كان كل دول المنطقة و حتى العالمية تتسابق من اجل إقامة علاقات الصداقة الاستراتجية مع عراق مام جلال . لأن الرئيس الراحل كان شخصية سياسية معروفة عراقياً و كردستانياً و عالمياً و اقليمياً منذ الاربعينيات و الخمسينيات من القرن الماضي ،حيث التقى في الخمسينيات شخصيات سياسية معروفة و قادة الاحزاب الأوروبية و العربية في اوروبا خلال ترؤسه وفد شباب كردستان في مؤتمر وارشو و كانوا معجبين بهذه الشخصية السياسية و افكاره التقدمية و الديمقراطية .
كان الرئيس مام جلال ذا خبرة واسعة في إيجاد النوافذ و الابواب الدبلوماسية و السياسية ليدخل اليها لا من أجل إيصال الصوت الحقيقي لشعب العراقي بسائر مكوناته من ضمنها شعب كردستان فحسب بل لتفكيك كافة القضايا الشائكة و الصراعات في المنطقة منها القضية الكردية في الدول الأخرى كايران و تركيا و سوريا .و من خلال هذه الخبرة و الامكانيات استطاع ان يصبح اول زعيمٍ كردي يستقبله رئيس تركي في قصر (تشانكايا الرئاسي) في العاصمة التركية انقرة في حزيران عام ١٩٩١ و التقى بالرئيس الراحل تورغوت اوزال و قادة الأحزاب المعارضة حيث كانوا يتسابقون الى اللقاء بسيادته .و كان هذا اللقاء التأريخي قد اصبح بداية للحوار و التفاوض التركي -الكردي و طرح القضية الكردية في تركيا الى مائدة المفاوضات .لولا الايادي الخفية المخابراتية و عدم خرق نصائح مامجلال ،لكان الآن القضية الكردية في تركيا في وضع متقدم .
رغم انشغاله بالقضية العراقية ،لكن الرئيس مام جلال لم ينس ولو للحظة واحدة الشأن الكردي في العراق و الأجزاء الأخرى أيضا ً و استغل حنكته السياسية و الدبلوماسية ،لإقناع الجانب الآخر في ان تلبية الطموحات المشروعة للكرد تساهم في تحقيق الامن و الاستقرار و الحفاظ على السيادة الوطنية في تلك الدول من ضمنهم العراق .حيث اثبت ذلك الرؤيا الصحيحة لمامجلال من خلال تصويت ٪٧٥ من الكرد للدستور العراقي و مشاركتهم الفعالة في النظام الجديد ، و حرصهم على وحدة العراق ،على رأسهم سيادته .
كان الرئيس مام جلال رمزاً عظيماً للتعايش بين المكونات العراقية و نبذ البغض الطائفي و المذهبي ،و وضع أسس قوية للتعايش السلمي بين ابناء الشعب . و استثمر هذا التعايش السلمي من أجل طي صفحات الماضي السوداء التي زرعها النظام الدكتاتوري الطائفي ،حيث كانت مليئة بالتناحر و الصراعات و سلب حقوق الآخرين . مدينة كركوك و هويتها كانت مشكلة مستعصية في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية ،لكن الرئيس مامجلال طرح افكاراً عملية و و ناجحة من اجل ازالة المعوقات امام تنفيذ مادة ١٤٠ الدستورية .و كلن يؤكد دوماً ان ازالة عمليات التعريب و التهجير القسري وريثة النظام البعثي العفلقي في كركوك و المناطق الاخرى المتنازعة عليها ،كعملية الجراحية للدماغ حيث لا تقبل اي خطأ .
كان الرئيس الراحل شخصية جامعة و بقلبه و صدره الواسعين كان يحتضن جميع الاطراف لذلك كانت جميع الاطراف و المكونات تنظر اليه و تعتبره كمحام ٍ لها .
التوازن في العلاقات الدولية و الاقليمة كان من سمات السياسة التي يتبعها الرئيس مام جلال و من خلال هذه السياسة الحكيمة اصبحت كل الدول الجوار و الإقليمية و العالمية دولا صديقة للعراق وفق أسس المصالح المشتركة اصبحت العراق نقطة انطلاق السلام و التعايش الاقليمي و العالمي رغم كل التحديات الارهابية من بقايا النظام العفلقي و الارهاب الدولي .
ربما يسأل سائل صحيح ان الرئيس مامجلال لم يدخر وسعاً من اجل رفعة العراق و بناء الدولة الجديدة على الأسس الديمقراطية و صيانة حقوق الانسان .لكن كان هناك مخاوف بان يطالب البعض باستقلال إقليم كردستان و الانفصال من العراق و كيف تعامل سيادته مع هذه المخاوف ؟!. و كان موقف مامجلال واضحاً و هو ان شعب كردستان العراق قد اختار ان يعيش في ظل العراق الديمقراطي الاتحادي و صوت للدستور الجديد الذي ينص على حقوق و واجبات كل محافظات و الأقاليم بضمنهم اقليم كردستان .و ذهب سيادته الى ابعد من ذلك حيث أن اقليم كردستان يتمتع بصلاحيات كبيرة على مختلف الصُعد و يشهد اقليم كردستان التقدم المستمر ،في مجالات مختلفة ، مقارنة مع بعض المناطق الاخرى من البلاد ،و بقدر عدد السفارات في بغداد العاصمة توجد القنصليات و البعثات الدبلوماسية في اربيل ،لذلك كان يؤكد دوماً لا داعي لمثل هذه المخاوف.
و في الختام اود ان أشير الى ان الرئيس مام جلال كان بحب بساطة العيش و نحن الذين كنا قريبين من سيادته لمسنا هذه البساطة و كذلك من التقى مرة واحدة بهذا الزعيم الكبير لمس هذه الحقيقة .نعم مام جلال لم يترك العقارات و المال في البنوك ،لكنه ترك ثروة طائلة من المباديء السياسية و الفكر النير و القيم النبيلة و الانسانية ،و ترك ورائه نهجاً و مدرسةً نستفيد منها نحن العراقيين في شتى المجالات .